أصدر النجم الأردني الشاب أدهم نابلسي واحدةً من أجمل الإصدارات الفنية التي سمعناها مؤخرًا تحت عنوان (بتعرف شعور)، حظيت باهتمام شعبي واسع تمثّل بحصدها نسبة مشاهدة مهولة وتصدّرها لوائح (الترند).
بصمة الشاعر اللبناني الأنيق علي المولى كانت واضحة، أما أدهم فكان يخوض مغامرة فنية استثنائية لأول مرة بعدما تولّى مهمة تلحين العمل وتوزيعه.
علي لطالما عهدناه مبدعًا قادمًا من عالمٍ غير روتيني، مجنون في انتقاء كلماته، وكيفية اسقاطها على الواقع، لا يهوى التكرار ويبحث عن الجديد حتّى في التفاصيل، فلا يكرر الكلمات ولا القضايا التي يسهب في طرحها، ويعي كيف يصطاد مشاعر المستمعين بأبسط المصطلحات لكن أكثرها عمقًا.
الأردني الذي لم يفز بلقب (أكس فاكتور) التجاري منذ سنوات عندما ظهر شابًا مبتدئًا لأول مرة، حقق خطوات تصاعدية وبات من أكثر الأسماء متابعةً واستماعًا، لا من الفئة الشابة فقط بل حتى الكبار الذين يرون بصوته أملًا لمستقبل الفن الشرقي بوسط الإسفاف الذي يحيط المسامع.
أدهم يمتلك صوتًا ليّنًا وخامةً غير متوفرة، يؤدي بإحساسٍ لافتٍ ولديه ما يكفي من المساحات لاستعراض قوة حنجرته، في صوته تتصارع الكثير من التقنيات والأدوات التي تجعله خليطًا جاذبًا للآذان.
في الطبقات الدنيا، يعي كيف يصدّر الاحساس أولًا ويترك القوة إلى ملعب الطبقات المرتفعة، وكلما علت الطبقة يبدأ باستثمار القليل من قوته دون أن يتخلى عن مصدر الإحساس.
كثر يمتلكون أصواتًا رائعة، إذا ما سرّه؟ إنها الاختيارات الجيّدة التي لا تخطئ هدفها، ولأنه ذكي يعرف المكان الذي يليق به، ويسعى ألا يقلد أحدهم بل أن يبتكر هوية خاصة تصنع له اسمًا أولًا غير قابل للنسيان في أذهان الناس.
أدهم يدرك إن الثبات في النجاح يتطلب بالمقابل عدم ثبات في الاختيارات، وهذه المعادلة الأصعب: أي تجدد دائم حتى لو كانت الموضوعات متشابهة، وهذا ما أجاد فعله حتى اللحظة، وكنا نراه غير تقليدي، وإن لم يغير الكلمات، كان يختار ألحانًا مختلفة، أو يغير في التوزيع أو ظهوره في الفيديو كليب..
النجم الأردني يعمل بصمتٍ، لكن نجاحه ليس هادئًا، على عكس كلّ التوقعات، نتنبأ له مركزًا مرموقًا حسب التصنيفات، أن يكون أولًا بعد سنوات، لا ناصيف زيتون الذي ضجّ العالم به لكنه انزلق أمام أول خطر واجهه العام الماضي، بعدما حقق تراجعًا في نسب المشاهدات ولم يستطع ألبومه الأخير أن يحصد الأرقام السابقة نفسها، عكس زميله الذي ترتفع أسهمه في بورصة الأرقام باستمرار.
ناصيف يحظى بدعمٍ تسويقي هائل بفضل مدير أعماله غسان الشرتوني الذي نضعه في خانة أكثر مدراء الأعمال ذكاءً، لكنه يعاني غشاوةً في بصيرته، لأنه يعتمد على الاكتفاء الذاتي، يكتفي بما يحققه اليوم ولا ينظر للغد البعيد، ويعوّل على نجاحات أمسه القريب ويظنها كفيلة بتأمين سنوات أخرى من التفوق، لذا يتمسك بالاختيارات نفسها، بالألوان ذاتها دون تعديل وكأن اقتباس العمل الناجح يستقطب دائمًا وتحت كلّ الظروف نجاحًا مماثلًا، وهذه استراتجية خاطئة لأن الأذواق غالبًا ما تتبدّل والموسيقى في شهور أحيانًا تنتقل جذريًا من فئةٍ إلى أخرى.
تراجع ناصيف قابله تقدمٌ كاسحٌ لأدهم الذي يطبّق القاعدة السليمة مع أنه لا ينال نفس الحصة من الدعم، لكن معادلته تكمن في ذكائه وكيف يتعامل بمرونةٍ وفعالية مع كل التغيرات.
أجمل ما في الأردني الذي سيصبح نجمًا كبيرًا ثابتًا في القمة إن استمر، أنه لا يتدنّى حتى لو تدنّى غيره من الزملاء في خانة الاختيارات، حتّى لو حقق أحدهم مئات الملايين عن عملٍ أرقص المستمعين لدقائق لكنه عجز عن تسجيل بصمة في أذهانهم، نظرًا لسوء الكلام أو لرداءة العمل..
هذا لا يعنيه، لا يتشبّث ويدخل بعض التعديلات لكنه لا يفقد أعماله من محتواها الفني الرصين، ما يجعله واحدًا من أثقل الفنانين وأجودهم فنيًا لا فقط من أنجحهم وأكثرهم استماعًا بالمعايير التجارية، وهذا ما يجعلنا نطلق عليه لقب نجم المستقبل.
عبدالله بعلبكي – بيروت