-
ابن سينا، وابن قيِّم الجوزية، والإمام الشعراني وسعد التفزاني، والإمام الغزالي أيدوا التقمص
-
(التناسخ) أو (التقمص) قالت به الديانات القديمة من (برهمانية) و(بوذيّة) و(زورواسترية) و(فيثاغورية) و(أفلاطونية) و(أفلوطنيَّة) وغيرها.
-
التقمُّص هو نوع من أنواع التناسخ أَطلقَ عليه هذه التسمية الموحَّدون الدروز الذين يؤمنون به دون غيره من أنواع التناسخ.
-
لقد جُعل القرآن ليكون في متناول كل الناس، يأخذ منه المرءُ بقدر ما يبلغ إليه فهمه وإدراكه
-
إن الموحِّدون الدروز مسلمون، تعمَّق أئمتهم الأوائل في درس القرآن الكريم، يتنزيله وتأويله.
أين عدالة الله في أن يسمحَ بحرق طفل في أحضان أمِهِ؟
أين عدالة الله في أن يعيش أحدهم ديكتاتوراً ظالماً ويموت على فراش من حرير ويحترق قلب المظلومين الذين انتظروا حكم الله عليه وضاعت سنوات انتظارهم؟
أين عدالة الله في أن يقتل أُماً ويترك سبعة أطفال يتامى بين أيدي ظالمين جائرين؟
كثيرة هي الأسئلة المشابهة، لكن الإجابات الأسهل التي تُجمع عليها الغالبية من نصف شعوب الأرض التابعة للديانات التي وصلها حتىقبل حوالي 1500 سنة هي: (إن الله شاء ولا اعتراض على حكمهِ).
ولأن الله محبة و(رحيم غفور) وهو العدالة المطلقة، أسأل كيف يشاء الله ما يتناقضُ مع صفاتهِ الرحمانية وكيف يعتدي على خلقِهَ وهو الرحمن الرحيم؟
يجيب أحدهم: (إنها حكمتهُ جلّ جلالهُ) ويتابع آخر لاوياً رقبته: (اللهُ أعلم).
وأسأل: كيف يمكن أن تكون حكمة الله مواربة للحق والرحمة ولكل نواميسهِ الرحمانية سبحانه جلّ جلاله؟
وآخر يجيب: إن الله يبتلي عبده فيختبره؟
وأسأل: هل الله جعل من خلقِهِ حقل تجارب؟ وهل الله بحاجة لأن يعرف كي يبتلينا ويجربُ فينا؟ وهو العالم بكل أحوالنا وهو الذي يرسم لنا أقدارنا ويسيرنا؟
كيف يجبرنا سبحانه جلّ جلاله على فعل ما يريده هو طالما أنه يقدّر لنا ما يشاء ويكتب على جبيننا قدرنا منذ نولد، وكيف يعود ويختبرنا في آن؟ هل في حالة الامتحان سيغير الله في قراراته ويصدر بحقنا اقداراً غير تلك التي كتبها على جبيننا منذ ولدنا؟
قد تبدو هذه الأسئلة كفراً للمتعصبين الرافضين لتفتح الوعي فينا. وقد يرتجف قارئٌ وهو يقرأ الآن وكأنه يفهم أني كافرة، بينما لا غاية لي سوى المعرفة والبحث عن الله في قلبي أو ربما كنت أنا في قلب الله كما أصر جبران خليل جبران.
المعرفة التي لا سواها نرتقي عبرها بإنسانيتنا ضد الغريزة (الغريزة من صفات الحيوان لا الإنسان) ذلك أن الإنسان يملك (الفطرة لا الغريزة) لكن مع تدهور الوعي وتراجع الحياة المعرفية عند البشر الحديثين صارت الغريزة تتحكم بسلوكيات الإنسان الذي حقق تراجعاً كبيراً في وعية ومدارِكهَ. لذا لا يتردد كثيرون في استخدام عبارة (غريزة) كصفة من صفات الإنسان وهذا يُعتبر الأكثر انحطاطاً في قيَمنا وترفعنا عن جنس أدنى أقصد به الحيوان الذي تسيّرهُ غريزته لا فطرته ولا عقله ولا حكمته ولا وعيه الغافل أو المستنير.
لهذه الأسئلة وغيرها إجابة واحدة حتى الآن وهي أنه لا يمكن أن يكون الله إلا عادلاً إلا إذا منح مخلوقه فرص حياةٍ كثيرة ليخلّص نفسه أو يهلكها بإرادتهِ هو لا بإرادةِ أو جبروت الله كي يستحق العذاب أو الثواب يوم الآخرة ما يعني حسب الذين يؤمنون بالتقمص أو التناسخ أن الله عادلٌ وأن ما يحدث للإنسان فهو من فعله لا من فعل الله. {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]
إذ لا يُعقل أن يعيشَ إنسانٌ أربع سنوات ويموتُ طفلاً ليذهبَ إلى الجنة دون أن يكون له فضلٌ في ذلك ودون أن يعمل مثقال ذرة خير.
ويعيش آخرٌ أربعين سنة مثلاً في ظروف مُظلمة وقاسية وجائرة فيولد بين المجرمين ولا يتعلم إلا فن الجريمة فيموت ليذهب إلى جهنم دون أن يكون قد اختار طريقَةَ عيشِهِ وسلوكِهِ خصوصاً وأن أحداً لم يعطِهِ فرصة التعرف إلى الله أو تعلم القراءة كي يتعرف على خالق السموات والأرض ليهتدي قبل أن يواجه حكم الرب يوم القيامة؟
لهذا أرّجح ولا أحسم نظرية الحيواتات المتعددة حيث يمنحنا الله فرصاً لا تُعد حين يبعث أرواحنا من جديد في أجساد جديدة لتحصل على كل الفرص وفي حيوات عدة ومختلفة الظروف كي تنجو بنفسها أو تهلكُ نفسها يوم الحِساب، وهكذا تنتصر الاية القرآنية الكريمة (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .
دراسات كثيرة أميركية وسوفياتية ومحافل علمية قامت سراً وعلانية في كل أرجاء الأرض لتؤيد التقمص أو تنفيه مثل السوفيات الذين نقضوه وأعلنوا مع بداية الستيمات من القرن الماضي نكاية بالأميريكان بأنهم سيدعون أهل الأرض يسمعون صوت السيد المسيح! (نظية أن الصوت لا يروح) لكنهم كذبوا.
من المراجع العربية الرصينة جداً والتي عَمِلَت جاهدةً على دراسة موضوع التقمص ولم تلقَ الرواج المطلوب على أهميتها هو ما كتبة الدكتور محمد خليل الباشا في كتابهِ (التقمص).
يقول د. محمد خليل الباشا:
لقد جُعل القرآن ليكون في متناول كل الناس، يأخذ منه المرءُ بقدر ما يبلغ إليه فهمه وإدراكه، ويبقى ثمة زيادة لمستزيد، وهذا يجعل اختلاف الآراء في تفسيره أمراً طبيعياً لا غرابة فيه.
ليس لأحد أن يتشبَّث بمفهومه هو لآيات القرآن الكريم، ولا يحق له أن يفرض مفهومه هو على الآخرين، لأن القرآن الكريم لجميع الناس كما قلنا، ولا يجوز لأحد أن يحتكره ويهيمن على تفسيره.
إننا نسترجع معاً في ما يلي بعض الآيات الكريمة، ونقف على ما يظهر من تفسير لها عفويِّ بسيط، بعيدِ عن التحذلق والتمحُّل والإعانات. ونحن موقنون استباقاً أن الحقائق التي قالت بها الديانات القديمة، وأثبتها العلم التجريبي حديثاً، لا يمكن أن يغفل عنها القرآن الكريم، وإنْ غفلت عنها أذهان بعض المفسرين:
1- (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ)
معنى هذه الآية أن الله جعل الموت قدراً للإنسان، وما هو سبحانه بعاجز عن ذلك، وبعد الموت لا بدَّ من تبديل في الأمثال أي في الصور، ومن تنشئة جديدةِ. وقد أكد ذلك باستعمال حرف (على) المتضمِّن معنى الوجوب، وبما أن تبديل الأمثال لا يمكن أن يكون إلاَّ بالموت وبالولادة ثانية ثم التنشئة التي لا تكون إلاَّ لمن هو طفل، فإن هذا يعني العودة إلى الحياة بشكل جديد وبطفولة جديدة، وهو التقمُّص، وتنتهي الآية بتذكيرهم بالنشأة الأولى.
هذا المفهوم البسيط العقلاني يؤول إلى التقمُّص كما يؤول إليه بشكلِ خجلِ متدارِ شرح ابن الخطيب لهذه الآية حين يقول:
– (إن الإنسان قد يولد بعد موته في حال أدنى مما كان عليه عقاباً أو ابتلاءً، أو في حال أفضل ممّا كان عليه مكافأة أو تعزيزاً). ثم يستدرك بقول: (إن أكثر الناس يعارضون هذا القول احترازاً من تناسخ الأرواح)
ويقول الباشا رداً على ابن الخطيب: إنه لتفسير عجيب حقاً، فلئن كان اعتراض الناس على كلامه هو الذي معناه التقمُّص كان عليه أن يدافع عن رأيه إذا كان مؤمناً به، أو أن يأتي بتفسير آخر إذا كان عنده من آخر. وإن كان الإعتراض على القرآن الكريم فلماذا لم يتخذ موقفاً حازماً حاسماً أمام هذا الشطط الكبير؟!
ويقول: مع ذلك فإن تداري ابن الخطيب في تأييد التقمُّص هو خير من إغراق بعض المفسّرين مثل الحسن البصري الذي رُوي عنه في تفسير هذه الآية قوله: أي نجعلكم قِرَدةً وخنازير كمن مُسخ قبلكم إن لم تؤمنوا برسلنا، يعني لسنا عاجزين عن خلق أمثالكم بدلاً منكم، ومسخكم من صورة إلى غيرها. ونحسب أن مثل هذا التفسير جعل عدداً من الفرق الإسلامية تقول بالتناسخ المشترك بين الإنسان والحيوان، وربما تطرَّق الوهم إلى تفسير هذه الآية الكريمة:
2- (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ. الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ. فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ). وقبل أن نترك الآية التي نحن في تفسيرها يجب أن نقف قليلاً أمام النشأة الأولى التي تدلّ على وجود نشآت شتَّى، وتكرارُ الخلق وردَ كثيراً في القرآن الكريم، وبصيغٍ مختلفة منها:
3- (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)
4- (إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ).
يقول الدكتور باشا: وكتب الدكتور عبد الرازق نوفل، وهو عالم وبحّاثة معروف، وعضو بارز في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ومقرِّر لجنة (التعريف بالإسلام)، في كتابه (أسرار وعجب) ما موجزه أن آيات القرآن الكريم تشير إلى خلق الإنسان عدّة مرّات مما يؤيِّد ويساند القول بتكرار الولادة، وذلك في مثل النص الشريف:
5- (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (فصلت: 21)،
6- (اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (يونس: 34)،
7- (اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (الروم: 11)، والرجوع إلى الله يعني صراحة إن الإنسان كان هناك من قبل، وإلا لقال ثم إليه تذهبون، ويؤيد ذلك بقوله:
8- (وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) (التوبة: 105) فهنا وهناك لا بدَّ للإنسان من مقام إلى حين.
9- (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). حاول بعض الشرَّاح القول إن الموت المقصود هو ما كان عليه الإنسان نطفة في الصلب، فأحياه الله في الرحم بنفخ الروح فيه، أو ما كانت عليه الجبلة الآدميَّة قبل أن ينفخ فيها الله الحياة فيحييها، وأن الإحياء الثاني هو بعد الموت كي يسمع الميَّتُ خفق نعال مشيِّعيه ويذوق عذاب القبر جزاءً عما فعل.
يبدو التمحُّل واضحاً في هذا التفسير كما يبدو الخطأ العلميّ فيه، فالجنين ليس ميتاً في بطن أمِه كي يحييه الله بالروح الإلهيَّة، فالحياة تنبثّ في الجنين من البيضة والنطفة وتستمر فيه كالجنين في بطن كل حبلى من اللبونات.
والله لا يبثّ الروح الإلهيَّة في الجنين، بل ينفخ فيه من روحه فور ولادته واستغنائه عن جسد أمه. وبجبلَّة الآدمية قبل نزول الروح الإلهية فيها كانت ذات حياة. فمن المخلوق السابياني إلى سلسلة المخلوقات التي سبقته فإنها جميعها كانت ذات حياة لا ميّته.
أما السبب للإحياء الثاني كما ورد، فلا نراه يستوجب التعليق. من الأولى والأصوب الرجوع إلى بساطة النص، والقول بأن المقصود إنما هو العود إلى الحياة الثانية، أي التقمُّص، وهذا التكرار في الموت والحياة، المتمادي في الزمان بدليل وجود “ثمَّ” ثلاث مرّات وهي حرف تراخٍ في الزمن، ليس أزلياً بل ينتهي، بعد زمن طويل، بالعودة إلى الله. ونحسب أن الآية التالية تؤيد:
(وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ).
ويلاحظ أن الموت قد سبق الإحياء في كلتا الآيتين وفي آيات كثيرة أخرى. والموت لا يكون إلاَّ تالياً لحياة سابقة إذ لا يموت إلاَّ الحيّ، فيتحقّق بذلك تكرار الحياة والموت.
والآية التالية تؤيَّد أيضاً ما سبق:
10- (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ).. وإننا لا نرى أي موجب للذهاب بعيداً في تفسير ما دلَّت على معناه صراحة الألفاظ بجلاء ويُسرٍ، وعلى هذا جمهرة من علماء الإسلام.
11- (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ).
إن في هذه الآية إشارة إلى نوعين من الإماتة والإحياء، لا إلى مرتين في العدد، أي أنك أمتَنا نوعين من الموت، وأحييتنا نوعين من الحياة، فيُفهم من ذلك أن للإنسان حياتين، يموت في إحداهما ليحيا في الثانية، أي يموت هناك فيحيا على الأرض، ويموت على الأرض فيحيا في العالم الآخر، ويتكرر ذلك تكراراً حمل على السؤال في آخر الآية: (فهل إلى خُروج من سبيل) والمقصود هو الخروج من دوَّامة التكرار، أي من دار العذاب والتحوُّل إلى دار السعادة والبقاء، قيتوقَّف هذا التكرار المتتابع المؤلم.
وقد جاء في القرآن الكريم عن المؤمنين:
12- (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى)، وهذا دليل على أن ثمَّة غير موتة واحدة.
وفي معرض الحديث عن التكرار نورد الآية الكريمة التالية:
13- (سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ)، وقد جاء في تفسيرها أن المُراد بالمرّتين مجرَّد التكثير، كقوله:
14- “أرْجِعِ البصرَ كَرَّتّيْن” أي كرّّة بعد كرَّة. وثمة قول آخر يفيد أن العذاب مرّتين إنما يعني نوعين من العذاب لا مرَّتين في العدد، أحدهما في هذا العالم بالمتاعب والأوجاع والحرمان والمصائب، والآخر هناك، وسموُّنه عذاب القبر، ويتكرَّر هذا كثيراً بدليل وجود (ثمَّ) الدَّالة على تطاول الزمن، وبعدها وعيد بأن يردّوا إلى عذاب عظيم يوم القيامة إذا لم يتوبوا قبل ويستغفروا.
15- “يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي”
رجوع النفس الوارد في الآية يدلُّ دلالة واضحة على أنها من هناك أتت، لأن الرجوع يجب أن يستبقه مجيء، وإلاَّ لقال اذهب، وهذا الرجوع وارد كثيراً في القرآن الكريم.
لكن هذا الرجوع مشروط بأن تكون مطمئنة. وكي تكون كذلك، يجب أن تكون راضية مرضيَّة أي أن يكون ضميرها الحسيب على أعمالها، غير مثقل بالأوزار، وإليها وحدها موجه النداء، وإلاَّ.. إذا لم تكن مطمئنَّة، فأنها لا تكون راضية ولا مضياً عنها، وإذا لم تكن كذلك، فهي لا ترجع إلى ربها، ولا تدخل في عباده، ولا تدخل جنَّته، بل تبقى على الأرض، تتقلَّب في مصاعب جهلها، وآلام زلاّّتها وخطاياها.
16- (كلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا)
17- (لَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ)
إلى أن تطمئن إلى صالح أعمالها، وتقدُّم مداركها، وصفاء جوهرها، عندئذ تصبح راضية مرضيّة، وترجع إلى الله وتدخل في عباده وتدخل جنَّته.
أفليس في هذه الآية الكريمة حكم قاطع بصحة التقمُّص، وإيضاح كافِ يشرح سرّ الحياة والموت في عشر كلمات عبِّرت بها بلاغة القرآن الكريم عما يقتضي عشرة فصول من كتاب للتعبير عنها.
إن الموحِّدين الدروز مسلمون، تعمَّق أئمتهم الأوائل في درس القرآن الكريم، يتنزيله وتأويله، وإليه أسندوا في اعتقاد مبدأ التقمُّص، فضلاً عن أن عدداً كبيراً من أئمة الإسلام وفلاسفتهم ومفكِّريهم، في شتّى الأعصار والأمصار، قالوا بمبدأ التقمُّص انطلاقاً من الإيمان بخلود الروح الذي يفرض أن يكون لها ماضٍ وحاضرٍ ومستقبلٍ، وأن تكون لها مهمة تؤيدها في شتى مراحل الحياة.
وبالمناسبة نذكر أن الدكتور الشيخ مصطفى الرافعي أورد في صدر كتابه (الموحِّدون الدروز في الإسلام) لسماحة الشيخ مرسل نصر، أن التقمُّص اجتهاد لبعض علماء المسلمين من فقهاء وفلاسفة وأطباء مثل (ابن سينا، وابن قيِّم الجوزية، والإمام الشعراني وسعد التفزاني، والإمام الغزالي، ولم نسمع أن أحداً من أثمَّة المسلمين قال بتكفيرهم).
والدكتور الشيخ مصطفى الرافعي من كبار رجال الدين المسلمين في ثقافته العالية وسعة علمه.
فالقول بالتقمًُّص هو وحده يوضح مجمل أسرار الحياة، ويكشف عن ماضي الروح وحاضرها ومستقبلها، ويظهر الغاية من تقبلها في كثافة المادة، والواجبات المطلوبة إليها كي تكون في الحياة على سنن قويم.
ويقول الدكتور الباشا: لا أدعوا أحداً إلى الأخذ بمبدأ التقمُّص، أو بأي مبداً لا يقبله عقله، بل كنت ولا أزال من أنصار العقل، القادرين مدى طاقاته وإمكاناته الجبِّارة الهائلة إذا ما انطلق، لذلك اقتصرتُ على بسطِ الأمورِ كما أراها بلا أي انحياز إلى أحد، أو النطق باسم أحد، على رجاء أن ينعمَ القارىءُ الفكر، ويطّلع على الكشوف الحديثة في هذه القضايا، وعلى البحوث والدراسات الواسعة بشأنها، وتحكيم العقل. عندئذ فلا يكون الحُكم استباقاً، ولا ابتساراً، (قهراً) ولا تردياً لأفكار تخطاها الزمن.
المهم ألاِّ نحاول تقليص المفاهيم القرآنية العظيمة لكي نجعلها على مقدرا عقلنا، بل علينا أن نوسِّع عقلنا لكي يدرك أكبر مقدارٍ من مفاهيم القرآن الكريم.
وإننا في كل حال لا نرى ضيْراً في ألا يقبل عقلُ القارىء ذلك في بادىء الأمر، فإنه يكون ما برح غير مُهيَّأ له. وأية غضاضة (التمرس) على رجل الأعمال إذا لم يتذوَّق قطعة لشوبان، أو لم تعجبه رائعة لرفائيل. وأي عيب على التلميذ إذا كان في الصف العاشر وأخوه الأكبر منه في الصف التاسع، لكن العيب هو أن يبقى في هذا الصف بضع سنوات.
نضال الاحمدية Nidal Al Ahmadieh