مريم نور، ظاهرة غريبة، لم يسبق لنا أن تعلّمنا كيفية التعامل معها، تصفع وجوهنا لأننا في غيبوبة نعاني منها منذ عقود، بعد إنخراطنا بحروبٍ تاريخيةٍ مزّقت حدودنا ووحدتنا، وشردت شعوبنا وقتلت شبابنا ودمرت أحلام أطفالنا، وسببت تراجعًا كبيرًا بإقتصاداتنا لتتدنّى نسبة الفقر في غالبية مجتمعاتنا العربية، غير إنحدارنا في سلم الأخلاق العامة بسبب إستنساخاتنا للعادات الغربية السيئة، وتجاهلنا للعلم الذي صدر أصلًا من أجدادنا.
(استيقظوا) كانت كلمتها المفضلة التي أطلقتها أينما حلّت، منذ بداية الألفية الثالثة ومريم تصرخ وتجهد روحها دون نتيجة على الشاشات التي تفضّل عرض المفاتن والأجساد العارية..
إقرأ: مهزلة تلفزيونية: هكذا اعتدوا على مريم نور في منزلها!
تحمل كتبها القيّمة المليئة بالمعلومات التي تفيدنا وتسخر حياتها لأجلها، وتنبهنا كم نتراجع وكم تستغلنا قيادات المافيات العالمية للسيطرة على تاريخنا وآثارنا وثرواتنا وثقافاتنا وحضاراتنا، لكن ما من أحد يسمع!
ليست سوى طالبة عادية درست عند الفيلسوف الهندي أوشو الذي شوّه الغرب وبعضٌ رجال الدين في الشرق العربي صورته، ليصوروه فاسدًا ومنحطًا ومروّجًا للعادات السيئة وللأفكار الجنسية الوقحة، إلا أن قلّة من يعرفون إنه رجلٌ مفكرٌ عظيم بحث بالروحيات، وطرح نظريات هامة وعبقرية تخلّص الإنسان من همومه ومشاكله وتخبطاته الداخلية التي تجعله يقتل ويسرق ويغضب ويخدع ويدبر المكائد ويطمع بالأموال ويركض خلف إغراءات الحياة.
مع ثقافة مريم نور الهائلة، يُستغرب قرارها بالإبتعاد عن شاشات التلفزة، ما يدلّ على إخفاق عربي فكري وثقافي، لأننا نلجأ خلف صاحبات المفاتن، ويدفع أثرياؤنا مئات آلاف الدولارات لعلاقة مع فنانة، نصفق لأغنية لا نعرفها كما يطلب مدير المسرح وغيره، نصرخ لكي نلتقط صورةً مع مغني، أما مريم التي تطرح الحقائق وتنبهنا للمخاطر التي ستزداد إن لم نستيقظ ونجد الحلول، فنشتمها ونقول إنها مجنونةٌ، لأنها ببساطةٍ تصدمنا وتتركنا عاجزين عن الرد.
مريم تركت التلفزيون نهائيًا، بعدما تخلّت عن برنامجها الصباحي الذي يُعرض على شاشة (الجديد)، وتطلّ إلكترونيًا عبر قناة محمد كيلاني، الباحث بعلوم الطب البديل لتحكي ما تريده خلال عشرة دقائق، فيما تنتج شاشاتنا بمئات آلاف الدولارات برامج ساقطة تزيد من حجم الجهل بعقل المشاهد العربي، وتساعد القيادات العالمية على إستهدافه، وقتله رويدًا رويدًا بأكثر الطرق فعاليةً، لأن قتل الفكر أهم بكثير من قتل الجسد، تقول مريم كما كل خائف على مصير الأمة العربية.
عبدالله بعلبكي – بيروت