الدراما اللبنانية نهضت بقوة، بفضل المنتج جنال سنان (ايغل فيلمز)، الذي رفعها إلى مستوى كل الوطن العربي، لكنها لا تزال تعاني من افتقادها للشخصية اللبنانية، على غرار كل الدراما في العالم، والتي تعكس بيئتها ومناخاتها وخصوصيات مجتمعاتها، وهذا ما انتصرت به هذا العام، الكاتبة والممثلة اللبنانية، كارين رزق الله، في مسلسلها (انتي مين) من إنتاج الـ Mtv كأول عمل يتناول أدبيات الحرب اللبنانية، 1975 – 1990 والتي ما تجرأ أحدٌ من المختصين على الإقتراب منها، لكثرة العقبات، ولشدة الخطر الذي سيعانيه الكاتب، إن لم يحسن صياغة مفرداته وانتقائها، بما لا يطال فئة دون أُخرى.
في العام 2004 كنت حاورت الأستاذ منصور الرحباني، عقب مسرحيته الرائعة (حكم الرعيان)، وسألته عن أسباب خوف صناع دراما المسرح والسينما والتلفزيون، عن تناول أدبيات الحرب وأجاب متنهدًا: “يمكن بعد بكير”
- لي يا أستاذ منصور؟
- لأن الحرب ما خلصت.. خلص القواس وشالوا المتاريس واتفقوا على تقاسم البلد بالحصص بعد (الطائف) بس النفوس بعدا ملياني وزعما الحرب بعدن هني هني..
كارين رزق الله لم تفتح ملف الحرب الأهلية اللبنانية كملف، ما يعني أن الكبير منصور الرحباني كان على حق، لكنها أيضًا لم تكن جبانة كالجميع وتناولت الحرب برمزيتها وانعكساتها ونتائجها العامة، عبر لعبة المقاربات عن طريق حكاية عائلتين، لتمرر مواقفها السياسية الصارخة مثل: كل الزعماء متل إجري بلسان (عايدة صبرا) المقاتلة التي فقدت ساقها حين كانت صبية مقاتلة قتلت 16 رجلاً في حرب المذاهب وعلق لها الزعيم نيشانًا! هو نفسه الزعيم الذي يحكم البلد الآن من ضمن مجموعة زعماء الحرب والموت الأحمر.
لا مسلسل منذ 20 سنة، فضح كل هذا الوجع المر، الذي يدعي صانعوه أن اللبناني نسيَ.
ولا أحد تجرأ وفضح الحالة المزرية التي يعيشها اللبنانيون، نتيجة الحرب والصفقات التي أُبرمت على أعقاب ما سمي بصفقات الصلح إن في الطائف وما بعد الطائف.
لا أحد تمكن من تلقين اللبنانيين دروسًا من ماضيهم الذي صنع حاضرهم الرخيص مثل كارين رزق الله.
لم تخف كارين من الإعلان عبر ألسنة أبطالها أن زعماء الموت الأحمر يحكمون الآن ويورثون أبناءهم الكراسي من بعدهم.
ولا أحد يستطيع أن يكتب كل هذه الدراما دون أن يخدش لبنانيًا واحدًا بل صفق لها الجميع دون استثناء رغم أن الجميع كان شريكًا ولا يزال “زلمة” زعيمه القاتل.
(إنتي مين) لم يستدر العواطف ولم يتوسل الرضى ولم يتنازل عن أصول البناء الدرامي، ولم يقع في فخ التوثيق، كما فعلت نادين لبكي في فيلمها (كفرنحوم)، بل التزم كل أصول فن الدراما التلفزيونية وبكل عناصرها.
لا خطأ واحد في كل ما قدمته كارين.. وهنا لا أتحدث عن الإخراج الذي لم يكن بمستوى الورق ولا بمستوى الممثلين. ولا بد من تحية إكبار لقناة الـ MTV اللبنانية التي أنتجت العمل لتفتح أفقًا جديدة أمام صناع الدراما اللبنانية.
نضال الأحمدية
https://www.instagram.com/p/ByKQt4_gmzp/