رشيد عساف السوري القدير، يلعب دورَ البطولة في مسلسل (الباشا)، الذي يعرض حاليًا على شاشة (الجديد)، من كتابة رازي وردة، إخراج عاطف كيوان، وإنتاج (مروى غروب) لصاحبها مروان حداد.
الباشا الذي يضطهد القرية بجبروته وسلطاته ببداية عام ١٩١٢، يفرض نفوذه الإقطاعي، يشلّح الفلاحين أراضيهم، ويسرق ممتلكاتهم، ويخضع الجميع لقراراته خوفًا من تعرّضهم لأي مكروه، يعجب بالفتيات، يحصل على من يودّ منهنّ لليلة غرامية، وتساعده سهى قيقانو التي تلعب دور صاحبة ملهى ليلي، ومعها أربع فتيات، يغرم الباشا بواحدة منهنّ، تؤدي دورها البطلة المغربية جيهان الخماس.
١- المسلسل جيّد من ناحية أداء الممثلين، ملمًا بكافة تفاصيل الحقبة الزمنية الماضية من ملابس الشخصيات وإكسسواراتهم ومساحيقهم التجميلية، غير مواقع التصوير التي اختيرت بمناطق جنوبية تحتفظ حتّى اللحظة بمعالم وآثار بدايات القرن الفائت، من المنازل الأثرية والطبيعة الخضراء التي لم يشوهها التطور و(التحضّر) بعد.
٢- يلعب رشيد دورَه ببراعةٍ، يضخّم نبرة صوته، ويتلاعب بتعابير وجهه، لتبدو قاسيةً أحيانًا، وعاطفيةً أحيانًا أخرى عندما يتعلق الأمر بإعجابه بإحدى فتيات القرية، ثمّ الطريقة التي يسير ويتحدّث ويتواصل بها، كلّها تشير إلى مدى إستعداده للشخصية ودراستها من كافة جوانبها، وحجم إجتهاده الشخصي على إظهارها بالشكل الذي رأيناه على الشاشة، كوننا نفتقد في لبنان تحديدًا مخرجًا يدير الممثل، ويحصر موهبته بالنطاق الذي تتطلبه الشخصية الدرامية.
٣- يبدو حضور رشيد مبررًا دراميًا بالمسلسل، عكس كلّ المسلسلات اللبنانية-السورية المشتركة، خاصةً انه الشخصية السورية الوحيدة بزمنِ ما قبل إعلان دولة لبنان الكبير ودحر العثمانيين، وحينها كانت العلاقات بين الشعبين اللبناني والسوري متشعبة لحدٍ بعيد، وكان منطقيًا تواجد فرد سوري بمجتمع لبناني أو العكس، لذا لم يشوّه دوره سياق المسلسل الدرامي.
٤- تؤدي جيهان الخماس دور البطولة لأول مرة، ويبدو إختيارها صائبًا، تلعب دور الفتاة البسيطة التي تعيش مع صاحبة الملهى سهى، والتي يحبها الباشا لتقرر التمرد وإستغلال حبّه لتدميره وإسترجاع أملاك الفلاحين المسلوبة، تتدرج بإنفعالاتها وتعابيرها من الفتاة الطيبة إلى الشريرة والمتلاعبة، وتنجح بإقناع المشاهدين بتمثيلها لحدٍ معقولٍ، رغم أنها ليست إبنة المهنة، ولن تصبح برأينا ممثلة صف أول لعدم توفر المعايير والمواصفات الرفيعة المتعلقة بالجمال الخارجي والأداء المحترف، والحضور القوي.
٥- تبرع سهى قيقانو بأداء دور صاحبة الملهى، تليق بها تلك الشخصيات المتلاعبة والتي تحاول التسلق على ظهور الآخرين للفوز بمصلحة أو حصة مالية، ملامحها وتعابيرها الجريئة تخدمانها أكثر مما تخدمهما، تمثل بإحترافٍ، وتعود بنا إلى الذاكرة القصيرة عندما أبدعت بدورها بمسلسل (كازانوفا).
٦- يبدو أداء رانيا عيسى جيد جدًا، رانيا من الممثلات اللبنانيات الجيدات القليلات بالساحة واللواتي لم يحصلنّ بعد على ما يستحقنّ، منذ أدائها لشخصية (دولي) بغنوجة بيا عام 2006، أثبتت إنها داهية (تمثيل)، لكنها لم تحظَ حتّى اللحظة بفرصة لتنافس نجمات الصف الأول.
٧- نجح عاطف كيوان بترجمة نصّ رازي وردة، وقدّم مشاهد تصويرية جيّدة، ولم تظهر عيوبٌ بالتقنيات أو بالهندسة الصوتية، وطغت مشاهد ال(zoom on) على مشاهد (landscape) لترتكز اللقطات على تعابير الممثلين وإنفعالاتهم جراء الأحداث. ما يميز الرؤية الإخراجية هنا أننا لم نستنسخ الدراما الهندية والتي تقف بها اللقطات لدقائق على تعبير ما لأحد الممثلين، ولا التركية التي تحترف تقديم مشاهد الحبّ والعشق برؤى فلسفيّة بحتة، بل كان العمل بنظريّة لبنانية والإجتهاد بذلك بدا غير مقلّد.
٨- لاحظنا بالمقابل عيوبًا بالمونتاج، التنقل بين المشاهد لم يكن سلسًا، نرى مثلًا رانيا عيسى تعترف بسرٍ بالمطبخ وتسمعها خادمة أخرى، تطلب منها عدم فضحها فتوافق، بالمشهد اللاحق نراهما بالصالون والمونتاج قطع أول كلمات حوارهما وآخره أيضًا، أحيانًا يحتاج المشهد إلى بضعة ثوانٍ إضافية لعرض تعابير الممثل على الشاشة، بهدف وصف مدى تأثره بالحوار الذي جرى، فالدراما تعني تعابير وإنفعالات ومشاعر داخلية وأحزان وأفراح، لا جمل حوارية وإنتهى (cut)!
عبدالله بعلبكي – بيروت