اللباس التقليدي الجزائري، هو تراث أصيل متنوع، حسب عادات وتقاليد كل منطقة، حافظ عليه الجزائريون جيلا بعد جيل، على مر العصور والحضارات التي مرت على الجزائر، ومن بين أشهر الألبسة الشهيرة عالميا، والمنسوبة للجزائر طبقا للمرسوم المسجل عام 2012 في منظمة اليونيسكو، كتراث غير مادي، القفطان الجزائري.
القفطان الجزائري، يطلق عليه باللغة االفرنسية(Caftan algérien)، كان السلاطين العثمانيّون يرتدون هذا الزيّ التقليدي المعروف آنذاك في الجزائر، وحاليا في باقي دول المغرب العربي، وحسب المؤرخين فان العثمانيّين أدخلوه إلى الجزائر في القرن 15.
القفطان في البداية كان حكرا على الرّجال حتى صمّمت نساء الجزائر نموذجا نسائيا منه. وساهم الانتشار الجغرافي الإسلامي إلى انتشار القفطان على مدى قرون في مختلف البلدان والثقافات، وكان هذا الانتشار ناتجا عن التجارة والقوافل التجارية العابرة آنذاك عبر العالم العربي والإسلامي، حاملين معهم مجموعة متنوعة من المنتجات والأقمشة والأنسجة، فمكة المكرمة أو الحج كان منطقة عبور لكثير من التجار وكانت مدينة الجزائر العاصمة تجارية في ذلك الوقت يتبادل فيها التجار السلع.
يوجد عدة أنواع من القفطان الجزائري الأصيل مثل، قفطان القرنفلة، قفطان الباي، قفطان القاضي، قفطان الشدة التلمسانية، المنصورية، البلوزة الوهرانية وغيرها.
شهدت صناعة القفطان الجزائري نموا كبيرا وإقبالا متزايدا، في الأعوام الأخيرة، بعد قيام المصممين الجزائريين بإيصاله إلى المحافل ومعارض الأزياء الدولية، الأمر الذي فتح شهية مصممي الأزياء الغربيين أمثال، بالمان، وإيف سان لوران، وجون بول غوتييه، وغيرهم من الذين سارعوا إلى إدراج نسخ مطورة منه في كاتالوجات أعمالهم.
لم يخرج القفطان، الذي يعد من أهم مظاهر الثقافة الجزائرية على صعيد الملابس التراثية، من حدود الجزائر إلى دول العالم فحسب، إنما وجد طريقه ليقتحم عالم الموضة ويتربع على عرش أهم ماركات الأزياء في العالم، بل وارتدته المشاهير والشخصيات العالمية، عاكسا حب الجزائريين وتقديرهم للجمال، وقدرتهم على الحفاظ على إرث تاريخي في مجتمع عايش حقبا وحضارات مختلفة.
ويعود انتشار القفطان بصورته المعروفة اليوم إلى (1244- 1465م) من الجزائر إنتقالا الى المغرب العربي، حيث إمتاز بتصميم وتطريز وألوان بسيطة، وكان ارتداؤه حكرا على الأمراء والسلاطين فقط، ليصبح متاحا للعامة في عهد العثمانيين، ويغدو أكثر شهرة وشيوعا بين الجزائريين؛ حيث ترتديه اليوم معظم نساء الجزائر.
ويرجع بعض المؤرخين الفضل في الانتشار الكبير الذي حظي به القفطان في دول العالم إلى حكام الجزائر الذين اشتهرو بأناقتهم واعتنائهم بالألوان، في بدايات القرن التاسع. ورغم جرأة مصممي الأزياء الجزائريين والغربيين في إضافة لمسات عصرية حديثة على القفطان، التي ساهمت في تطويره وانتشاره عالميا، حتّى وصل إلى كبار الفنانات والمشاهير، إلا أنّه ظل محافظا على عراقته وأصالته، عبر حراس هذا التراث من الحرفيين والمصممين القدامى، الذين يتعاملون بحذر شديد مع تطوير هذا اللباس وإضافة لمسات جديدة على تصاميمه، خوفاً من فقدان عراقته، لما يمثله من إرث حضاري وتاريخي جزائري.
إنتشر تطريز القفطان، في جميع مناطق شمال الجزائر، الذين حافظوا على هذا الموروث، وكل منطقة طورته على طريقتها مع إضافة اللمسات التي تميز كل ناحية. وفي الوقت الحالي بدأ المصممون الجزائريون بإدخال تعديلات حديثة على اللباس التقليدي حتى يتماشى مع عصرنة الأزياء. من الألبسة التقليدية المعروفة في الجزائر يوجد، الشدة التلمسانية وهي نوع من انواع القفطان يسمى (القفطان التلمساني) وطريقة تفصيلها وطرزها بخيوط الذهب تجعلها مميزة عن أي قفطان اخر.
القفطان ليس مغربيا كما يدعي بعض عديمي الهوية، لكن أصوله فارسية من أرمينيا، ووصل إلى المغرب عن طريق الجزائريين، بشهادة المؤرّخ المغربي، إدريس بوهليلة الذي ذكر في كتابه: الجزائريون في تطوان خلال القرن 13هـ/19م صفحة 127 الفقرة التالية:( بين الشرق والغرب الشمال والجنوب أزياء جزائرية مختلفة التصميم لكنها اتفقت أن تشكل الطابع واللمسة الجزائرية الأصيلة.. فالقفطان الجزائري هو لباس عثماني رجالي في الأصل دخل الجزائر وبعدها المرأة الجزائرية طوّرت فيه وأبدعت فيه وصار قفطانا خاصا بالنساء الجزائريات، وعند سقوط الجزائر بيد المحتل الفرنسي هاجر الجزائريين إلى مدينة تطوانالمغربية وبطبيعة الحال أخذوا معهم حرفهم وعاداتهم وتقاليدهم ومن بينها القفطان الجزائري).
الرسام الفرنسي المستشرق الشهير، دولاكروا رسم لوحة تحمل عنوان(Femmes d’Alger )سنة 1834 أي بعد سنوات فقط من الاحتلال الفرنسي للجزائر ، وظهرت على اللوحة نسوة جزائريات ترتدين لباس القفطان الذي لم يكن معروفا في المغرب بعد.
اللوحة معروضة في متحف( اللوڤر)، باريس، فرنسا، اشتراها الملك، لويس فيليب وأهداها إلى متحف لوكسمبورغ، حيث كان في ذلك الوقت متحفا للفن المعاصر، وبعد وفاة الفنان عام 1874 نقلت اللوحة إلى اللوڤر، حيث لا تزال هناك حتى الآن.
في سنة 2012 إدرجت العادات والتقاليد والمهارات الحرفية المرتبطة بزي الزفاف التقليدي التلمساني(القفطان التلمساني)، في قائمة اليونسكو للتراث العالمي اللامادي، وهي عادات تقضي بأن ترتدي العروس بحضور أهلها وصديقاتها المدعوات فستانا تقليديا من الحرير الذهبي اللون يسمى القفطان، وتُزين يداها بأنواع مختلفة من نقوش الحناء كتعبير عن الفرح، ثم تأتي امرأة أكبر مسنة، غالبا ما تكون إحدى قريباتها لتساعدها على ارتداء قفطان مخملي مطرز بشكل فني وجمالي وعلى وضع الحلى وتاج مخروطي. هذه المهارات الحرفية في صناعة هذا النوع من الأزياء الجميلة المرتبطة بزي الزفاف التلمساني المميز والعادات المرتبطة به نقلت من جيل إلى آخر.
ويرى المهتمون بالتراث العالمي للباس التقليدي، أنه لباس تراثي جميل يجمع بين عدة حضارات، فالبلوزة أصلها من الحضارة العربية، والفوطة من الحضارة الأمازيغية، والقفطان من الحضارة العثمانية بينما الشاشية مستمدة من الحضارة الأندلسي
حتى مصمموا الازياء المغاربة، قالوا مرارا وتكرارا أن القفطان لايخصهم، بل يخص شقيقتهم الجزائر، من بينهم، المصمم المغربي الريفي، حكيم شملال، الذي صرح منذ سنوات في مهرجان(الموضة المغربية)، الذي إحتضنته مدينتا الحسيمة والناظور أن القفطان ليس مغربيا، وأن أصوله فارسية من أرمينيا، وجاء به العثمانيون إلى الجزائر، وأخذ المغاربة هذه الحرفة وأدخلوا عليها لمسات عصرية لمسايرة العصر والتغيرات التي يمر بها عالم الموضة والأزياء.
كما أن بعض فنانات المغرب، تتبارين على لقب(سفيرة القفطان المغربي)، مثل المغنية، دنيا بطمة التي لاطالما هاجمت الجزائر بخصوص الموضوع، لكن سبق وأن ردت مصممة الأزياء الجزائرية سميرة غزايلي، علىها ذات مرة، ونصحتها بمراجعة دروسها جيدًا قبل التكلم، مضيفة: (أنا الاحسن لها البقاء في مجالها وهو الغناء). كما قالت بأن أصل لباس القفطان جزائري وليس مغربياً وهذا ليس مجرد كلام لكن بالدليل، فلو رجعت للوائح منظمة (اليونيسكو) العالمية ستجد أن المنظمة أدرجته كلباس تراثي جزائري وليس مغربياً كما تدعي بطمة.